فجأة وبينما نحبس أنفاسنا ذعرا ونحن نتابع تصاعد حالات المصابين بكورونا، تخرج علينا الحكومة بقرار رفع الحظر ابتداء من يوم السبت القادم .. القرار الغريب بالطبع لم يخرج بشكل مباشر، وإنما جاء بين طيات قرارات أعلنها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بإعادة فتح المطاعم والمقاهى والمسارح والسينمات بطاقة استيعابية 25% وإستمرار عمل وسائل المواصلات حتى منتصف الليل، وكذلك إعادة فتح المساجد والذى وضعت له وزارة الأوقاف ضوابط لاتسمح بفتح المسجد إلا قبل موعد الآذان بعشر دقائق، وتكون الإقامة عقب الآذان مباشرة ويتم غلق المسجد بعد الصلاة بعشر دقائق وبما لايتجاوز نصف ساعة على الأكثر. مع إستمرارغلق دورات المياه ودور المناسبات والأضرحة وتعليق صلاة الجمعة وإلزام المصلين بإرتداء الكمامة ووضع علامات تباعد بينهم.
تحاول الحكومة أن تبريء نفسها من تبعات قرارها الجريء بالحرص على التأكيد على أن القرار خاضع للمتابعة والتقييم. ولمزيد من إثبات حسن النوايا أكدت على استمرار خفض العاملين في الوزارات والجهات الحكومية مع إعطاء صلاحية لكل وزير لتحديد طاقة العمل وفق رؤيته.
محاولات إبراء الذمة والقبض على العصا من منتصفها بالطبع لم تعد تكفى لاقناع الكثيرين بمدى جدية الحكومة في التعامل مع تداعيات وخطورة فيروس كورونا.
فمن البداية ومنذ أعلنت الحكومة سياستها العجيبة في التعامل مع الفيروس المميت بالرهان على وعى الشعب، تأتى النتيجة في كل جولة من جولاتها مسجلة خسارة فادحة ومع ذلك مازالت تصر على رهانها الخاسر.
ضرب المصرى عرض الحائط بكل الإجراءات الإحترازية، لم يلتزم بارتداء الكمامات إلا بعدما قررت الحكومة فرض غرامة على عدم ارتدائها، لم يحافظ على المسافات الآمنة إهمالا أحيانا ومضطرا في كثير من الأحيان، لم يتعامل مع كورونا بالقدر الذى يقتضيه الخطر، ولم ينتبه لنذر الموت المتربص إلا بعدما تزايدت الأعداد واصبح الفيروس ضيفا ثقيلا تكاد لاتسلم أي عائلة منه، تساقط الضحايا بين مصاب ومشتبه فيه ومودع للحياة.
بعد فوات الأوان ادرك المصريون الخطر.. وبدلا من أن تساعدهم الحكومة على مزيد من الالتزام والحرص، وتضرب على الحديد وهو ساخن تجنبا لمزيد من الإنتشار وعملا على الحد من تلك الأرقام المتصاعدة نجدها على العكس تفتح الطريق على مصراعيه وترفع الحظر وتعود للرهان على وعى الشعب، وإن كانت الخسارة هذه المرة من المتوقع أن تكون كارثية لاقدر الله.
أغفلت الحكومة وهى تتخذ قرارها الجريء تلك الحالة من الفزع والعجز التي تصيب أي مصاب بالكورونا عندما يجد نفسه فجأة أسيرا لفيروس لايرحم، وتائها لا يجد مكانا للعلاج، فلا مستشفى حكومي يقبله ولا مستشفى خاص يمكن أن يخاطر المريض باللجوء إليه، بعدما قفزت أسعار الخدمات الفندقية أقصد العلاجية لعشرات الآلاف يوميا يعجز معها القادرون فما بالنا بالبسطاء المهمشين.
ولا يقل العزل المنزلى صعوبة ولا خطورة أمام نقص الادوية التي باتت عصية على أي مريض وكذلك بدائلها، ليجد مصاب الكورونا نفسه محاصرا مختنقا بفعل الفيروس من ناحية والعجز عن إيجاد العلاج من ناحية أخرى.
في ظل تلك الحالة المتردية تأتى الحكومة وتخرج علينا بقرار رفع الحظر بحجة الحفاظ على عجلة الإنتاج، وأنها تسير على نفس نهج كثير من الدول التي فتحت أبوابها لعودة الحياة الطبيعية ورفعت الحظر كاملا متعايشة مع الفيروس بعدما تأكد للجميع أن لاحد في الأفق لنهايته وأن علاجا ناجعا لمواجهته يتطلب مزيدا من الوقت.
تبرير يبدو عقلانيا، لكنه يحمل في طياته واقعا لا إنسانيا وسياسة جشعة تنضوى تحت شعار مناعة القطيع تلك التي تبنتها الراسمالية المتوحشة لتتخلص من الضعفاء أصحاب المناعة المحدودة ليخلو العالم للاقوياء فقط .
سياسة وحشية وإن لم يفت أصحابها توفير الحد الأدنى للحماية والوقاية والعلاج للمصابين ثم تتركهم بعد ذلك لمصيرهم، لكننا للأسف كعادتنا لم نطبق سوى الجزء السلبى فقط، ففتحنا الباب على مصراعيه دون أن نلتزم بتوفير الحد الأدنى من العلاج. وبدلا من الرهان على وعى الشعب آثرت الحكومة الرهان على حظ الشعب .. فأنت ونصيبك إما أن تهزم الفيروس أو تدفع حياتك بعدما يهزمك.
للأسف أصبحت الحكومة وكورونا "إيد واحدة" في مواجهة المصريين.
------------------
بقلم: هالة فؤاد